الاثنين، 30 سبتمبر 2013



( يا سيدي الشاعر, ولا أقول يا سعادة القنصل, لأن كل الألقاب الأخرى المضافة إلى اسمك كشاعر , لا تهمني .
قل لي بالله عليك يا سيدي, ما الذي تفعله وراء هذا المكتب ؟ هل مهمتك أن تنظر في جوازات السفر, وتدقق في أسماء طالبي التأشيرات, وتلصق الطوابع عليها .. وتمهرها بتوقيعك الشريف ؟؟
لا يا سيدي, هذا عمل يمكن أن يقوم به أي موظف من العصر العثماني, أو أي كاتب  ... 
أما أنت, فشاعرنا, وصوت ضميرنا, والناطق الرسمي باسم أحلامنا, وأفراحنا, وأحزاننا, وهمومنا العاطفية والقومية .
أتوسل إليك, يا سيدي, باسم الأجيال العربية التي قرأتك, وأحبتك, وتعلمت على يديك أبجدية الحب والثورة ..
أتوسل إليك باسم جميع الأنبياء والرسل, وجميع الشعراء الذين استشهدوا من أجل كلمة جميلة, أن تترك هذا المكان فورا .. وتبقى عصفورا يوقظ الشعوب من غيبوبتها, ويغني للحرية والإنسان من المحيط إلى الخليج ..) .
كانت هذه الكلمات من رجل مغربي عندما رأى اسم نزار قباني على تأشيرته في دار القنصلية السورية بلندن سببا في استقالته من السلك الدبلوماسي , وتفرّغه للشعر.
يقول نزار :
 (... وخرج الرجل من مكتبي دون كلمة وداع .. وغادر دار القنصلية كالبرق تاركا وراءه كلماته الغاضبة, تشتعل كالحرائق الصغيرة في رأسي, وفي ثيابي, وفي أوراق مكتبي ...
والحقيقة أن الرجل ذهب .. ولم يذهب ... وفي عام 1996 أي بعد مرور أربعين عاما على هذه القصة المثيرة, أجلس في منزلي في حي نايتس بريدج في لندن, وليس عندي من الالتزامات سوى التزامين أساسيين : التزامي نحو الشعر, والتزامي نحو الحرية .
فهل كان الرجل المغربي يدري أن كلماته الرسولية قد غيرت مسار حياتي, وأن الشرارة التي أشعلها في عقلي, أضاءت طريقي, وأوصلتني إلى مرفأ الشعر !!.
هذا الرجل أدين له بحريتي .. وبإعتاق رقبتي من السيف الحكومي الذي يصبح مع الزمن جزءا من الرقبة ..
أدين له بإنهاء حالة الفصام التي كنت أعيشها بين خطابين ... ولغتين .. وسلوكين .. قناعين .. وعالمين متناقضين ...
 وأخيرا أدين له لأنه حررني من كل السلطات الأبوية, والسياسية, والقبلية, والعشائرية, والجاهلية ..وأرجعني إلى رحم القصيدة  ).

                                                    شمس الدين العجلاني (بتصرّف).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق